وقفة مع معاني آيات... 1

بقلم: خديجة مسامح
../imagesDB/944_large.jpg

عناصر الموضوع:

توثيق سورة النور

تسمية السورة

مضمون السورة

وقفة معا لمعاني

الله نور السماوات والأرض

الله يضرب مثلا لنوره

محل تجليات نور الله بيوت ورجال

بيوت النور

أوصاف رجال النور

المراجع

تفسير ابن كثير

صفوة التفاسير للصابوني

التحرير والتنوير

الوسيط في تفسير القرآن الكريم للطنطاوي

تفسير سورة النور لابن تيمية

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيب

توثيق السورة:

سورة النور سورة مدنية تضم أربعا وستين آية، جاءت في القرآن الكريم متوسطة بين سورة المؤمنون وسورة الفرقان.

تسميةالسورة:

سميت سورة النور لذكر اسم الله النور فيها وأنه نور السماوات والأرض ومافيهن. لأن الله نور عباده فيها بذكر مجموعة من الأحكام والآداب والفضائل الإنسانية التي إن يستمسك بها المسلم عاش حياة طيبة في الدنيا والآخرة.

مضمون السورة:

سورة النور باعتبارها سورة مدنية فهي تضم مجموعة من الأحكام التشريعية والحدود الشرعية كحد الزنى والقذف واللعان،وتضم بعض التوجيهات والآداب التي يجب أن يربى عليه المسلمون أفرادا وجماعات كالاستئذان وغض البصر وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة من العفاف والستروالنزاهة والطهر والاستقامة. ولهذا كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة يقول لهم : (علموا نساءكم سورة النور)

وقفة مع المعاني:

تجدر الإشارة إلى أن سورة النور بدأت بقوله عز وجل: (سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون) وقال:(ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات)وهذا فيه إشارة إلى أنها آيات واضحات لا تحتاج إلى كبير جهد لفهم معانيها. وكذا الآيات التي بين أيدينا فهي بينة في ذاتها يكفي بعض التأمل للإحاطة بها وبعض التدبر ليلامس نورها قلوب المؤمنين.

الله نور السماوات والأرض

اختلف العلماء في تأويل هذه الآية:

قال ابن عباس : المعنى الله هادي السماوات والأرض.

وقال ابن عرفة أي منور السماوات والأرض.

وقال مجاهد: مدبر الأمور في السماوات والأرض

قال الإمام القرطبي ما ملخصه: قوله تعالى (الله نور السماوات والأرض) النور في كلام العرب الأضواء المدركة بالبصر واستعمل مجازا فيما صح من المعاني ولاح، فيقال كلام له نور وفلان نور البلد.

فيجوز أن يقال: الله تعالى نور من جهة المدح لأنه أوجد جميع الاشياء ونور جميع الأشياء منه ابتداؤها ، وعنه صدورها.

وقيل: المعنى به وبقدرته أنارت أضواؤها، واستقامت أمورها، وقامت مصنوعاتها، فالكلام للتقريب للذهن، كما يقال فلان نور أهل البلد، أي: به قوام أمرها، فهو مجاز في حقه أما الله تعالى فالنور صفة حقيقية محضة في حقه.

جاء في التحرير والتنوير: النور حقيقة الإشراق والضياء، وهو جلاء الأمور التي من شأنها أن تخفى عن مدارك الناس وتلتبس فيقل الاهتداء إليها.

وسمى الله نفسه نورا لأنه موجد جميع الأشياء، ونور جميع الأشياء منه ابتداؤها، وعنه صدورها،

قال الغزالي في مشكاة الأنوار: النور هو الظاهر الذي به كل ظهور أي الذي تنكشف به الأشياء وتنكشف له، وتنكشف منه، وهو النور الحقيقي وليس فوقه نور. وجعل اسمه تعالى النور دالا على التنزه عن العدم وعلى إخراج الأشياء كلها عن ظلمة العدم إلى ظهور الوجود، فآل إلى ما يستلزمه اسم النور من معنى الإظهار والتبين في الخلق والإرشاد والتشريع.

ورجح الشيخ الطنطاوي قول الإمام القرطبي فقال:(الله تعالى نور العالم كله علويه وسفليه بمعنى منوره بالمخلوقات التكوينية، وبالآيات التنزيلية، وبالرسالات السماوية الدالة دلالة واضحة على وجوده سبحانه، وعلى وحدانيته، وقدرته وسائر صفاته الكريمة، والهادية إلى الحق. وإلى ما به صلاح النا س في دنياهم وأخراهم.

وقال ابن كثير: وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: ( اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن) وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه يوم آذاه المشركون من أهل الطائف: أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل بي غضبك ، أو ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك)

ومنه قوله تعالى في سورة الزمر: (وأشرقت الأرض بنور ربها)

وأضاف سبحانه نوره إلى السماوات والأرض للدلالة على سعة إشراق هذا النور، وعموم سنائه، وتمام بهائه في الكون كله.

الله يضرب مثلا لنوره

بعد أن ذكر الله أنه نور السماوات والأرض أراد أن يقرب معناه إلى أذهان العباد فقال: (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة، زيتونة لا شرقية ولا غربية ،يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس، والله بكل شيء عليم)

مثل نوره كمشكاة فيها مصباح : أي صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة والسطوع كصفة مشكاة، والمشكاة هي الفتحة الصغيرة في الجدار دون أن تكون نافذة فيه

وقال ابنعباس: المشكاة موقع الفتيلة. فيها مصباح، جاء في التحرير والتنوير: (المصباح مشتق من اسم الصبح أي ابتداء ضوء النهار والمصباح آلة الإصباح أي الإضاءة) والمصباح هو سراج ضخم ثاقب تشع منه الأنوار.

كمشكاة فيها مصباح لأن وجود المصباح في هذه المشكاة يكون أجمع لنوره وأحصر لضيائه، فيبدو قويا متألقا، بخلاف ما لو كان المصباح في مكان نافذ فإنه لا يكون كذلك.

المصباح في زجاجة أي قنديل من الزجاج الصافي النقي الشفاف الذي يقيه الريح، ويزيده توهجا وتألقا.

هذه الزجاجة في ذاتها كأنها كوكب دري، أي شديد الإنارة نسبة إلى الدر في صفائه وسنائه وإشراقه وحسنه.

ويزيد تبارك وتعالى في الوصف تدقيقا فيقول: (يوقد من شجرة مباركة زيتونة) أي هذا المصباح تروى فتيلته ويستمد نوره من زيت شجرة مباركة أي كثيرة المنافع، وفي استعمال صيغة المضارعة إشارة إلى تجدد إيقاد المصباح أي أنه لا ينطفئ، لا يأفل ولا يخبو. زيتونة، أي شجرة الزيتون. ووصف تعالى شجرة الزيتون بالبركة لطول عمرها، وتعدد فوائدها التي من مظاهرها الانتفاع بزيتها وورقها وثمارها، قال تعالى:(وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين)

وقوله: (لا شرقية ولا غربية ) صفة أخرى لشجرة الزيتون أي أنها ليست متميزة إلى مكان أو جهة معينة فهي ليست شرقية فقط لا تصيبها الشمس إلا في حالة الشروق،ولا غربية لا تصيبها إلا في حالة الغروب، بل هي شرقية غربية تصيبها الشمس بالغداة والعشي فهو أنظر لها وأجود لزيتها، فترتب على تعرضها للشمس طول النهار، امتداد حياتها، وعظم نمائها، وحسن ثمارها. وقيل ليست من المشرق ولا من المغرب بل في الوسط منه وهو الشام وأجود زيتون زيتون الشام.

وقوله تعالى: ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) هذه صفة ثالثة لتلك الشجرة، أي أنها يكاد زيتها من شدة صفائه يضيء دون أن تمسه النار، فهو زيت من نوع خاص، بلغ من الشفافية أقصاها، ومن الجودة أعلاها.

نور على نورتأكيد على أنه نور عظيم متضاعف كائن من نور عظيم مثله إذ أن نور الله لا حد لتضاعفه ولا نهاية لعمقه.

قال ابن عجيبة في تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: فهذا مثال النور الذي يقدفه الله في قلب المؤمن فالمشكاة هو الصدر، والمصباح نور الإيمان والإسلام والإحسان . والزجاجة هو القلب الصافي، ولذلك شبهه بالكوكب الدري، والزيت هو العلم النافع الذي يقوي اليقين ولذلك وصفه بالضياء والإنارة.

يتبع...

تاريخ النشر : الثلاثاء 11 نونبر/تشرين الثاني 2014